روايات شيقهرواية احتيال و غرام

رواية احتيال و غرام للكاتبة رحمة سيد الفصل السادس

الصدمة شلت تلك الحروف التي كادت تتقافز من حافة شفتـا فاطمة فبقيت تحدق بها مبهوتة وهي تردد أسمها بسؤال متواري خلف حروفه:
-أيسل!
فابتلعت أيسل ريقها وهي تدير رأسها متابعة:
-ده قراري، انا هروح معاهم
فأمسك بدر ذراعها يضغط عليه بقوة وهو يهتف من بين أسنانه بحدة:
-إيه اللي انتي بتقوليه ده، تروحي معاهم فين انتي مجنونة!؟
-ايوه مجنونة.

قالتها وهي ترمقه بنظرة حادة توازي حدة نظراته التي كانت شعلة يتعالى وهجها الملتهب بين تلك الظلمة بعيناه، فيما نطق طه بسعادة أبرزتها حروفه الخبيثة قائلًا:
-هو ده الكلام، أنا كنت واثق إنك مش هتمشي أمك وابوكي مكسورين الخاطر يا أيسل
طالعتهم أيسل بنظرات إنصهر بين بركانها الحقد والاشمئزاز، ليتهم لم يكونوا أهلها، ليتهم لم يعودوا ابدًا…!
لوت شفتاها بعدها وهي تردد متهكمة بمرارة:.

-أمي وابويا! بأمارة إيه؟ بأمارة إنكم سبتوني مرمية في الشارع وماهمكوش اني لسه طفلة يادوب ٤ سنين؟!
ثم اقتربت خطوة من والدتها التي تنظر لها بصمت، تبحث بين سطور عيناها عن حرف واحد يخبرها أنها تشتاقها، أنها تألمت لفراقها، أي شيء يطفئ تلك النيران الحاقدة التي تستعر داخلها بقسوة، ولكنها لم تجد، لم تجد سوى عينان خاويتان منزوعتان الحنان فبدت لها كالصحراء الجرداء المشاعر…!

ليخرج صوتها متهدجًا مهتزًا وقد تمزق ثوب الثبات الذي كانت تغطي به صدئ الألم المرير:
-وانتي ياللي مفروض أمي، مفكرتيش مرة أنا إيه اللي حصلي؟ عايشة ولا ميتة؟ حد لمني من الشارع ولا باكل من الزبالة؟! بتغطى في الشتا ولا مرمية في الشارع تحت المطره؟ ماصعبتش عليكي ابدا ولا حسيتي بشفقة ناحيتي حتى؟
للحظات نبضت ملامح زوبه بالتأثر وقد أطلقت مشاعر الأمومة نبضة صغيرة تنفي تجردها منها حينما قالت بتردد:.

-انا كنت بدور عليكي يا أيسل بس، آآ…
قطعت كلماتها وهي تنظر نحو طه الذي أصابها بسهام نظراته الحادة المُحذرة، فقتلت سهام نظراته تلك النبضة في مهدها، لتعود زوبه لجفافها وهي تخبر أيسل:
-بس الظروف كانت اقوى مننا!
ضحكت أيسل دون مرح ورددت:
-الظروف! الظروف دي الشماعة اللي بنعلق عليها كل حاجة
فتدخل هنا طه يستطرد بتأثر مصطنع لم يكن كافٍ ليعبث بمكنونات قلب أيسل:
-احنا دورنا عليكي كتير يا أيسل لحد ما يأسنا!

إنقشعت كل قشرة برود كانت تغطي أيسل، لتتناثر بوجهه حينما صاحت فيه بجنون:
-كداب، محدش دور عليا، حتى لما أمي راحتلكم الكباريه القذر بتاعكم مارضيتوش تقابلوها
فهز رأسه نافيًا بسرعة:
-كدابة ماحدش جالنا
حينها تدخلت فاطمة مسرعة مذهولة من ذلك الرجل الذي لا يمل الكذب والمكر والتلاعب:
-اتقي الله، والله العظيم حلفان يحاسبني عليه ربنا إني روحتلكم و…

فقاطعتها أيسل بصوت صلب تزاحمت به جنح المشاعر الهيستيرية المطعونة في الصميم:
-من غير ما تحلفي يا مامي، انا مصدقاكي
ثم رمقت والدتها بنظرة مزدردة وأكملت:
-الست اللي ربتني استحالة تكون زيكم، دي كانت عليا أحن من أي حد، مستحيل تكون شيطانة وبتمثل!
فعقدت فاطمة ما بين حاجبيها بألم وبنبرة متوسلة راحت تردف علها تقنعها:
-ماتروحيش معاهم يا أيسل، أنتي بنتي اللي ماخلفتهاش، ماتبعديش عني.

اقتربت أيسل منها ببطء، لتمسك يدها تُقبلها بكل الحب، الحنان والرفق اللذان زرعتهما فاطمة قديمًا تحصدهم حبًا وامتنانًا تراهم الان يلمعان بين حدقتـا أيسل كنجم أضاء ظلمة ذرك الكون بنوره المتوهج…!
فيما تشدقت أيسل بـ:
-أنا أسفة يا مامي، أنا عايزاكي بس تثقي فيا وتحترمي قراري بعد اذنك
لم ترد فاطمة وهي تحدق بها بقلب يقطر لوعة، لتنتبه أيسل لبدر الذي سحبها بعنف من ذراعها مغمغمًا بجمود:.

-تعالي معايا عايز اتكلم معاكي
فسارت خلفه على مضض دون أن تنطق.

صعد بها بدر نحو غرفتها دفعها برفق نحو الداخل ثم دلف خلفها ليغلق ذلك الباب فسألته أيسل بنبرة جامدة:
-في إيه يا بدر؟ عايز تتكلم معايا فـ إيه؟
اقترب منها بدر بخطى حادة متساءلًا بصوت أجش:
-انتي اللي في إيه، انتي اتجنيتي؟ عايزه تروحي معاهم وعارفه إنهم هيشغلوكي في كباريه!
هزت أيسل رأسها بنبرة جافية:
-دي حاجة تخصني
فدفعها بدر للخلف بعنف وهو يزمجر فيها بانفعال عاطفي وجسده كله يشع عنف:.

-لأ ماتخصكيش، طول ما انتي لسه على ذمتي ماتخصكيش لوحدك!
رفعت أيسل حاجبها الأيسر تناطحه بقولها الحاد:
-لأ يخصني لوحدي، وبعدين الورقة اللي بينا ماتديكش الحق إنك تتحكم فيا!
ضغط بدر على قبضة يده بكامل حتى شعر أن كل عرق فيه سينفجر حتمًا، لا تروقه ابدًا فكرة أن تذهب لذلك الملهى الليلي اللعين حتى وإن كان على سبيل الصدفة، تلك الفكرة تجعل من صدره جحيم يتلظى بلهب تلك الغيرة…!

اقترب منها اكثر وبلحظة جذبها من خصرها بعنف حتى اصطدمت بصدره لتشعر بحدة تنفسه، بينما يتابـع بصوت محترق، هلك كل وتر بنبرته من فرط تلك المشاعر التي تدفقت لحظتها:
-إنتي كلك حقي، وأي حاجة تخصك حقي
للحظات لم تجد ما تقوله، تظل صامدة حتى تتملق تلك العاطفة من حروفه فتشعر أنها اصبحت ورقة على مهب تلك العواطف، حروفها تفر هربًا منها ولا تجد سوى تلك الدقات العنيفة تكاد تخترق صدرها…!

وضعت يدها على صدره تبعده وهي تهمس بوهن:
-بدر لو سمحت ابعد، ده قراري ومش هرجع فيه
فاشتدت يداه حول خصرها وهو يستطرد بإصرار وصوت خشن صلب:
-وانا مش هاسمحلك تروحي معاهم، وقرارك ده بليه واشربي ميته!
زفرت أيسل أنفاسها على مهل تحاول تهدئة نفسها، ثم قالت والعناد ينضح من حروفها:
-أظن إنك فاكر أحنا اتجوزنا ليه، وخلاص أنا قررت فحضرتك خلاص مش واصي عليا ومش هتقولي اعمل إيه ومعملش إيه.

كز بدر على أسنانه بعنف، يحاول إقناع نفسه أنه يفعل ما يتوجب عليه من أجل إتفاقه مع والدتها اولاً ثم من اجل مريم وإنتقامها، ولكن ذلك السبب بمجرد أن يخترق حدود قلبه يذوب ليصبح كزبد البحر…!
عاد يرمقها بنظرات مهتاجة حادة ثم أردف:
-فاكر اتزفتنا ليه مش محتاجة تفكريني يا أيسل هانم وعلشان كده مش هسيبك تضيعي كل اللي عملناه في لحظة
مطت أيسل شفتاها ببرود ساخرة:.

-طب كويس، ومعلش لو ضيعنا وقت حضرتك الثمين واخدناك من الهانم بتاعتك.
تعالت وتيرة أنفاسه وهو يحدق بها، غاضب، غاضب ككل خلية به، غاضب منها، غاضب من تلك المشاعر التي تجتاحه كطوفان فيغرق هو فيه كارهًا إياه متمرغًا بين براثنه اللاوعة…!
نظرت له بتردد قبل أن تسأله وقد حملت تلك الحروف كل تساؤلاتها، حيرتها، حملت تلك المشاعر المتناقضة التي تمزقها نحوه:
-أنت بتعمل كده ليه يا بدر؟

فاندفعت تلك الاجابة التي يُلقنها لقلبه مرارًا وتكرارًا من بين شفتاه:
-علشان الست الطيبة اللي هيجرالها حاجة تحت دي
إنطفأت ملامح أيسل التي أنارتها شعلة الأمل للحظات في إنتظار تلك الاجابة..!
لترد بعدها بابتسامة لا تمت للمرح بصلة:
-أنت مش هتخاف على أمي اكتر مني
إلى أن دفعها بعيدًا عنه بعنف تاركًا إياها وهو يغمغم بقسوة:.

-في ستين داهية، روحي مكان ما عايزه تروحي مش هيفرق معايا، اشتغلي في كباريه ان شاء الله تولعي في نفسك
ثم استدار ليغادر، فسار عدة خطوات قبل أن يتوقف للحظات، فالتفت ينظر لها، يشملها بنظرات كانت بمثابة وصال حار بدايته شوق ينحره واخره حيرة و ألم…

ودون مقدمات كان يلتهم الخطوات الفاصلة بينهم وهي كذلك، ليُحيطها هو بقوة وتحيط هي خصره وتتقابل شفتاهم في وصالهم الأول، بكل اللوعة، بكل ذرة تنادي داخله مطالبة بلقاء شفتاها المكتنزة، لحظات مسروقة من واقعهم الذي يرفض جمعهم سويًا دون عوائق، لحظات شفتاه تعزف على شفتاها لحن الشووق الذي أهلكه، وتبعثرها هي مشاعره العنيفة…!

ابتعد حينما شعرا بحاجتهم للهواء، ليهمس لها بصوت مثخن بالعاطفة:
-ماتروحيش معاهم!
كانت تتنفس بصوت عالٍ، لا تستطع، لا تستطع فعلها، تشعر أنها قُسمت نصفين وتلك البرودة من التفكير تجتاح بينهما…!
وعندما لم يجد بدر رد ابتعد عنها ليرمقها بنظرات حادة ثم استدار ليغادر دون كلمة اخرى، لاعنًا ضعفه الذي بات يشكل هاجسه!..

في القريـة…
دلفت ليال للغرفة لتجد يونس يرتدي ملابسه، وكعادته تحشا حتى النظر لها، ولكنها لم تصمت هذه المرة بل اقتربت منها بعينان مُلبدتان بتلك الأفكار التي ترميها من وادٍ أسود لأشد منه سوادًا وقسوة…

تعبت، تعبت من كل شيء، تعبت من رفضه، تعبت كرامتها المهدورة أسفل اقدام رفضه، أهلكها عقلها الذي يخبرها ألا تستسلم، مزقتها الأيام وهي تحاول إرضاء كل طرف منها ولكن لا تجد لداءها دواء…!

يكمن الدواء بين يداه ولكنها تشعر أنه يبعده عنها بكل الطرق ويعود ليغمس علقم جديد في جوفها ليُمرر روحها…
وقفت ليال امامه لتهتف بنبرة هادئة ولكنها صلبة في البداية:
-يونس عاوزه أتكلم معاك
رمقها بنظرة باردة أرسلت قشعريرة باردة لعمودها ولم ينطق، فابتلعت هي ريقها وراحت تردد بنبرة خافتة:
-ادي لحياتنا فرصة يا يونس.

إحتدت نظرته وقد بدأ الغضب يزحف لنظراته، فأدركت أن ضبابية الكره بين عيناه حجبت تلك الفرصة التي لم تبزغ بعد…!
فعادت لتقول بإصرار تحاول طرد أشباح اليأس خارجًا:
-طب أنت ليه مش مصدق إني عملت كده عشانك، عشان مش عارفة أبطل تفكير فيك
أغمض يونس عيناه يحاول تمالك نفسه، مجرد تحدثها عن ذلك العشق يذكره بأنانيتها، يُذكره بعشقه الذي حُرم منه بسببها، فيُقظ شيطان الغضب ليجلد أي شعور اخر سوى الكره داخله…

كاد يسير مبتعدًا عنها، ولكنها أسرعت تمسك يده وهي تتابـع بصوت مبحوح مُحمل بتلك العاطفة التي لا يكره سوى سماعها:
-طب لو مش بحبك هستحمل منك كل ده ليه يا يونس؟ انهي عقل اللي يخليني استحمل كل ده إلا قلبي ومشاعري ناحيتك؟
إنتشل ذراعه من بين يداها وهو يحذرها بحدة:
-قولتلك ماتلمسنيش!
حينها خارت كل قواها للثبات فبدت هيستيرية وهي تلمسه عمدًا وتصيح فيه بانفعال فلت زمامه من بين يداها:.

-لأ هلمسك، هلمسك ومش هبعد ومش هسكت زي كل مرة، أنت بتعمل كده عشان أنت نفسك مش لاقي سبب منطقي لكل تصرفاتك معايا
حينها زمجر فيها يونس بحروف كانت ذريعة كل شياطين الغضب التي لا تغادر جنبات روحه وتغذي الكره داخله:
-عشان بكرهك، بكرهك وبكره أنانيتك وخبثك، في اكتر من كده سبب؟ بكرهك ومش طايق أتعامل معاكي ومافتكرش إنك السبب في كل حاجة وحشة حصلت في حياتي!
وقفت أمامه قبل أن يغادر ومن ثم استطردت صارخة فيه:.

-وامتى هتفهم إني عملت كده عشان مش عارفة أنساك، هي لو بتحبك كانت اتمسكت بيك ووثقت فيك!
اخر جملة منها حررت المارد الأحمر داخله، فتجمهر الكره اعلى قمم عيناه، ولم يشعر بنفسه سوى وهو يقبض على ذراعها ويجذبها متجهًا بها نحو المرحاض ويردد بقسوة غليظة؛
-شكلك لسه مافوقتيش وعايشة في الجو اللي أقنعتي نفسك بيه عشان تحللي لنفسك عملتك المقرفة
زمجرت ليال فيه تحاول التملص من بين قبضته:
-اوعى سيبني.

ولكنه لم يهتم واوقفها عنوة اسفل الدوش ليفتحه فجأة فشهقت هي حينما غمرتها المياه الباردة فجأة، بينما هو يواصل هديره القاسي باهتياج:
-فوقي، فوقي بقا وافهمي انا عمري ما هحبك وهفضل طول عمري بكرهك، فوقي وادركي إن اللي عملتيه مش مبرر لأي مشاعر.

كلماته القاسية تزامنًا مع تلك المياه جعلوا ليال تفتح فمها وتغلقه كل ثانية، تشعر أنها تغرق، ليس بسبب تلك المياه، وإنما بسبب سيلان القسوة الذي إنهال من كلماته ليطيح بكل شيء داخلها، كل أمل…!
إلى أن تركها دافعًا إياها بقوو لتترنح وقفتها بوهن وتترك جسدها ليسقط ارضًا بينما هو يكمل:.

-لاخر مرة هقولك ابعدي عني، وحتى الطلاق مش هطلق هسيبك متعلقة كده لحد ما اعرف مين اللي سلطك عليا، وقريب اوي هعرف وساعتها مش هيبقالك مكان في بيتي
وما إن انتهى من كلماته حتى غادر المرحاض تاركًا اياها ساقطة ارضًا تغمرها المياه بقوة، ودون أن تشعر إختلطت دموعها المحبوسة بتلك المياه، يكفي، لم تعدل تحتمل، لم تعد تحتمل اكثر، تشعر بكل قواها تخر منهارة كتلك القطرات التي تتساقط…

أمسكت فجأة الكوب الموضوع في المرحاض لترميه نحو المرآة فيهشمها لقطع صغيرة بينما هي تصرخ بانهيار:
-كفاية بقا، كفاية، مش عايزاك، ملعون ابوها مشاعر!

بعد حوالي ساعة وأكثر…
ساعة من الزمن مرت على ليال كزمن، زمن تُهدم فيه اشياء وتُعاد فيه ترميم اشياء، تشعر أن داخلها أصبح كالخراب الذي تخلفه الحرب، كل شيء مُدمر، خاوي الحياه، لا تشعر بأي شيء، لا تدري حتى ماذا ستفعل…!

وقفت بأقدام مرتعشة، لتخرج من المرحاض، كان يونس جالس على الفراش واضعًا رأسه بين يداه، كان الهواء الطلق يعم الغرفة بسبب المروحة التي شغلها يونس على أقصى سرعة، يشعر بالأختناق، يشعر أنه في أوج الجحيم، يكرهها ويشعر بالشفقة تقطر قطراتها ببطء على ذلك السواد داخله، ولكن تلك القطرات لا تستطع محو ذلك السواد، تُهلكه حيرة وضجرًا فقط…!

و ليال لم تكن احسن حالاً عنه، حتى لم تنتبه للهواء الذي لفح جسدها المُبلل، أخذت ملابسهامن الدولاب ثم عادت للمرحاض بخطى آلية..!
فنهض يونس متأففًا لينتشل بدلته ويغادر لعمله…

بعد ساعات اخرى…
عاد يونس من العمل، دلف للغرفة وتوجه نحو دولابه ليُخرج ملابسه، ألقى نظرة نحو الفراش ليجد ليال مُغطاه ويبدو أنها تغط في نوم عميق، لم يهتم كثيرًا وفتح ازرار قميصه ليخلعه، وفجأة سمع همهمات مكتومة تصدر عن ليال فعقد ما بين حاجباه بحيرة يُنازع داخله الانسان الذي يطالبه بالاقتراب وتفحصها…!

وبالفعل إنصاع لذلك الصوت فاقترب ببطء لتزداد همهمتها، أبعد ذلك الغطاء عنها ليجدها ترتعش وتهمهم بهذيان، فجلس على طرف الفراش مقتربًا منها ليجدها تردد بحاجبان معقودان وبصوت متقطع متألم:
-يونس، لا يا يونس، يونس انا بحبك، اسفة، يا يونس، انا عملت كده عشانك
فزفر بعمق وهو يحدق بها، تحسس جبتهتها ببطء ليستنتج أنها اُصيبت بنزلة برد حادة وبسببه ايضًا…

اغمض عيناه ضاغطًا على رأسه بقوة وضميره يعنفه لومًا، فنهض يجلب دواء مناسب ومياه ثم عاد و أمسكها برفق من كتفاها ليحاول جعلها تنهض متناسيًا أنه قد خلع قميصه، بدأ يهزها ببطء وهو ينادي بأسمها بصوت خافت:
-ليال، ليال فوقي عشان تاخدي دوا
ولكنها لم تكن تعي ما يقول اصلًا، ولكن صوته الذي تحفظه عن ظهر قلب اخترق عزلتها في عالم اللاوعي، لتفتح عيناها نصف فتحه وتهمهم بأسمه وهي ترمي نفسها بين أحضانه مغمغمه بوهن:.

-يونس، عايزه اتدفى، سقعانة اوي
للحظات أصابته تلك الرجفة العنيفة حينما لامست صدره العضلي واحتضنته بهذه الطريقة، حركتها المباغتة داعبت شيء مجهول داخله يجهل ماهيته، لا يدري لمَ لم يبعدها فورًا، فنالت هي دفء جسده الذي ازدادت الحرارة بكل خلية به فشعر هو بالاحتراق داخله يضاهي برودة جسدها…!

وفجأة كما اقتربت ابعدها ببطء يُعيدها للفراش، ثم وضع الدواء في فمها بحرص ليُغطيها، ثم بقي ينظر لها، متفحصًا لملامحها، فكانت خصلاتها تغطي جزء من وجهها، فمد إصبعه يبعدها ببطء وعيناه تجوب ملامحها بتمهل، كم يأسف على ما يفعله معها، ولكن ماذا عساه يفعل، ليت القلوب قيد طوعنا…!
ظل يحدق بها بصمت إلى أن قال بخشونة وصوت منخفض:
-انا اسف…!

صباح اليوم التالي…
تحاملت ليال على نفسها لتنزل وتفطر معهم بعد إلحاح نسمه التي أخبرتها أن الجميع قد تجمع بالأسفل…
كان الوهن والالم يسيطر على كل خلية بها، وقد لاحظها يونس الذي تابعتها عيناه بين لحظة والاخرى…
وفجأه سمعوا صوت ضجيج بالخارج فنهض قاسم والد يونس يصيح بجدية:
-روح يا محمد شوف في ايه برا
وفجأه كان حارس البوابة ينادي بحنق:
-يا استاذ مينفعش كده.

إتسعت حدقتا عينـا ليال بصدمة وفزع حينما وجدت والدها امامها، لا تعرف كيف علم بمكانها وماذا ينوي أن يفعل حتى، ولكن دقات قلبها الهلعة غطت كل صوت حولها حينما سمعته يزمجر بجنون:
-جايه تقعدي في بيت عشيق امك يا ليال؟!
وكل الانظار صوبت نحوها بلحظات و..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى